الأمم المتحدة: العنف الاقتصادي ضد النساء تهديد متصاعد يتطلب إصلاحات حقوقية شاملة
خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان
في خطوة لافتة على طريق تعزيز الحماية الدولية لحقوق المرأة، أكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن العنف الاقتصادي يُعد من أبرز أشكال التمييز الجنسي الممنهج ضد النساء والفتيات، مطالبة بإصلاحات جذرية تدمج المنظور الحقوقي في السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدول.
جاء ذلك في تقرير المفوضية المقدم إلى الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان، التي تتواصل حتى 9 يوليو 2025، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه.
وسلط التقرير الضوء على الأشكال المعقدة من العنف الاقتصادي التي تواجهها النساء حول العالم، بما يشمل التمييز في الأجور، وحرمانهن من الملكية، والعوائق أمام الوصول إلى الموارد المالية، إضافة إلى أعباء الرعاية غير مدفوعة الأجر، التي تثقل كاهل النساء وتضعف مشاركتهن في الحياة العامة.
وأكد التقرير أن هذه الممارسات لا تعد فقط انتهاكا للعدالة الاجتماعية، بل تقوض أسس التنمية المستدامة، وتُفاقم هشاشة النساء اقتصاديا، خاصة في أوقات الأزمات مثل النزاعات المسلحة أو الكوارث المناخية أو الجوائح الصحية، حيث تظهر الفجوات الجندرية بصورة أكثر حدة.
وأشار إلى أن الأنظمة الاقتصادية السائدة، المبنية على نماذج غير متكافئة للسلطة والثروة، تعيد إنتاج التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وتبقي النساء في موقع التبعية، رغم التقدم التشريعي الشكلي في عدد من الدول.
واستعرض التقرير بيانات صادمة، منها أن النساء يشكلن غالبية العاملين في الاقتصاد غير الرسمي عالميا، حيث لا يتمتعن بأي حماية اجتماعية أو قانونية، ويواجهن مخاطر عالية من الاستغلال والعنف. كما أن أوجه التمييز تتقاطع غالبا مع عوامل أخرى، مثل الأصل العرقي، أو وضع الهجرة، أو الإعاقة، ما يجعل بعض الفئات من النساء عرضة لانتهاكات متكررة ومركبة.
ونبه التقرير إلى أن العنف الاقتصادي لا يعالج على نحو كافٍ في السياسات العامة أو في استجابات الدول للانتهاكات الحقوقية، حيث تظل معظم المعايير القانونية غامضة أو غير ملزمة، بينما تفتقر المنظومات القضائية والإدارية إلى آليات فعالة لرصد ومساءلة مرتكبي هذا النوع من العنف، لا سيما في أماكن العمل والمؤسسات المالية والمجتمعية.
وأشار إلى حالات موثقة لنساء تم طردهن من وظائفهن بسبب الحمل، أو حرمان من الترقيات بسبب أدوارهن العائلية، دون أن تتوفر لهن سبل انتصاف فعالة. كما سلط الضوء على السياسات التي تقلل من قيمة العمل غير مدفوع الأجر الذي تقوم به النساء داخل الأسر، وما لذلك من أثر تراكمي على حقوقهن الاقتصادية.
وفي تحليل معمق، أكد التقرير أن التوزيع غير العادل للموارد والفرص لا يحدث بالصدفة، بل هو نتيجة سياسات ممنهجة، تقرها أو تغض الطرف عنها مؤسسات الدولة، ما يستدعي إصلاحات عاجلة لإعادة بناء النظم الاقتصادية والاجتماعية على أسس الإنصاف.
ودعا التقرير إلى إحداث تحول جوهري في بنية الاقتصاد العالمي، يستند إلى احترام حقوق الإنسان ويعزز العدالة الجندرية، موصيا بالاعتراف بالعنف الاقتصادي كجزء لا يتجزأ من منظومة العنف القائم على النوع الاجتماعي، ودمج النساء في جميع مراحل التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب إصلاح القوانين التي تميز على أساس الجنس، وضمان المساواة في حقوق الملكية والعمل.
كما شدد على ضرورة تخصيص تمويلات مستدامة للبرامج المعنية بحقوق النساء، وتعزيز المساءلة بشأن تنفيذ الدول لالتزاماتها الدولية بموجب اتفاقية «سيداو» وأهداف التنمية المستدامة، بما يعكس التزاما فعليا لا شكليا بقضايا المساواة الجندرية.
واختتم التقرير بتأكيد أن التقدم في هذا الملف لا يتطلب فقط إرادة سياسية، بل إعادة تعريف لجوهر العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين، يعترف بالمرأة كشريك متكافئ، ويكفل لها حياة حرة من العنف والفقر والإقصاء، سواء في المجال العام أو داخل الأسرة.